السبت، 24 يناير 2015

المعتقلين: كارثة عددية وحلقات مفرغة داخل دوامة بيروقراطية الدولة


ضحايا الحراك الإسلامي

خلال عام ونصف, الحراك الإسلامي – وفقاً لأن غالبيته من المنتمين سياسياً أو فكرياً للمرجعية الإسلامية- وصل ضحاياه إلى ما يقارب 3 آلاف ونصف قتيل و 20 ألف مصاب و 60 ألف شخص تم القبض عليه أو ملاحقته قضائياً سواء ما زال محبوساً أو خرج أو مطارد – كلها أعداد تقريبية مش دقيقة- بعدما مر ويمر بنفس مراحل التيار المدني والمستقلين ومن في صفهم خلال السنتين ونصف الأولى من الثورة؛ مرحلة الزخم الجماهيري, ثم الانحسار الميداني, ثم الملل أو الإرهاق أو الخوف, ثم الإحباط والاكتئاب, ثم التخوين والتعارك داخلياً, وبينهم النشاط الحقوقي, وسينتهي بمراجعات فكرية أو انعزال أو هجرة أو انتحار أو جايز الـ "ولا حاجة".

الكارثة الحقيقة للضحايا على المدى البعيد هي المعتقلين – هنخليها هنا إصطلاحاً للمحبوسين على ذمة قضايا على خلفية سياسية وليس الاعتقال الإداري- لإن المعتقل هو حالة مستمرة متجددة, مش حدث لحظي منتهي زي القتل أو الإصابة - وليس هنا مجال لمقارنة درجات الضرر- هيتم نسيانه أو تناسيه بعد وقت ما قَصُر أو طال, المعتقل هو مش مجرد ضحية واحدة مكونة من شخص مسلوب الحرية والإرادة يتم إيذاءه أو كبته نفسياً أو بدنياً أو فكرياً أو معيشياً, لكنه بيسحب وراه الدائرة القريبة – على الأقل 5 أشخاص أو دائرة أكبر- لحين معاد خروجه حتى لو بعد سنين طويلة, وخلال ده فيه سلسلة لا تنتهي من التكاليف المادية والآثار المنعوية والممارسات القمعية والابتزاز المالي بيتم ممارستها على الدائرة القريبة دي, وفيه بوست فشيخ قبل كده لمحمد أبو الغيط في الحتة دي.

الكارثة العددية للمعتقلين

الكارثة العددية للمعتقلين - مش هنتطرق هنا للجانب الإنساني والحقوقي أو الأبعاد السياسية والاجتماعية والفكرية- عبارة عن كم هائل من أعداد البشر المحتجزين حالياً, غير مؤكد بالأرقام سابقة حدوثه خلال تاريخ مصر الحديث من عدمها. على الأقل, هناك حالياً مئات عديدة محكوم عليهم بأحكام نهائية وعدة ألوفات في طور إجراءات المحاكمة وألوفات أخرى مازالت قيد تحقيقات النيابة, لكن من الصعب جداً تحديد العدد بدقة وبصورة شاملة, وإمعاناً في توضيح الصورة, على سبيل المثال, فيه قرى بيصل فيها عدد المحبوسين حالياً إلى 50 أو 80 شخص, لاحظ بنتكلم عن قرية, جزء من دائرة قسم شرطة مركز, جزء من محافظة, جزء من الدولة, طبعاً في احتمالات وظروف وعوامل أخرى بتتداخل.

أسباب الأعداد الهائل دي واضحة, التيار الإسلامي ممتد وعميق ومتغلغل اجتماعياً وعلى نطاق جغرافي واسع, والحراك كان ضخماً بكل زخمه, بالإضافة إلى أن جزءاً - غير قليل- من المشاركين في الصفوف اتحرك نتيجة تأثير الشعار الإسلامي والخطاب الديني في الوجدان الشعبي, وخلال فترة الست شهور الماضية ظهر اندماج دماء جديدة بانخفاض واضح لمعدل الأعمار, لإن قطاع كبير من ذوي الأعمار الأكبر إما تم قتلهم أو تعجيزهم أو إصابتهم أو ملاحقتهم أمنياً أو قضائياً أو قاموا بالسفر أو أصيبوا بالإرهاق أو الملل. بجانب النظرة الواقعية, إنهم الحراك الوحيد في الشارع فأي حراك مجتمعي أو عمالي أو مظلوميات شخصية آخرى لابد أن تتقارب معهم بصورة ما أو بآخرى.

كارثة الأحكام النهائية واستدراج القضاء للصراع السياسي

الكارثة الكبرى على هامش أعداد المعتقلين هي المئات العديدة من المحكوم عليهم بأحكام نهائية, سواء جنايات أو جنح مستأنف حضورياً ما قبل النقض, لسبب بسيط إن الناس دي خلاص اتشفطت جوه "دوامة بيروقراطية الدولة العقيمة", ومحتاجين لخروجهم سيل من الأوراق والإجراءات بخلاف توفر الإرادة السياسية, الأزمة الجذرية هنا - عن حتى عصر مبارك- إن تم إقحام القضاء بقوة وبصورة كاملة داخل الصراع السياسي المتغير بطبعه مع الوقت والظروف والمستجدات داخلياً وخارجياً, حتى نهج الاعتقال الإداري وفقاً لقانون الطواريء كان أفضل في نطاق إجراءات الخروج لإنه كان في أي لحظة ممكن يتم إخراجهم جميعاً بعد مراجعات وتفاهمات مع النظام وأجهزة الأمن.

حتى خلال الشهر الأخير, لما وصلنا لأول مرة في القضايا السياسية – خلال تاريخ مصر على حد علمي- لأرفع سلطة قضائية وهي: محكمة النقض العريقة – سدرة المنتهى بالنسبة لسلك القضاء وهي الغاية والأمل لأي محامي في العدالة الجنائية- لقينا بيتم تأييد الأحكام, عادي جداً, وبس كده.

دوامة بيروقراطية الدولة حتى لو توفرت الإرادة السياسية

مؤخراً بدأت الداخلية فجأة تمَضّي أعداد من المعتقلين على "إقرارات توبة", وأطلقت تصريحات متعاقبة عن طريق متحدثها الرسمي وكبار قياداتها إن بالفعل يمكن الإفراج عن الإخوان – المحبوسين على خلفية سياسية يعني- في حالة عدم التورط في العنف والتوبة. بغض النظر عن مدى مصداقية التحركات دي, الفكرة إن الوضع هنا مختلف, فيه مئات عديدة من المعتقلين خلاص عليهم أحكام نهائية, عدة ألوفات في طور المحاكمة وألوفات أخرى تحت ذمة النيابة, الناس دي يمكن إطلاق عليهم مجازاً "دمهم بقى متفرق بين القبائل", والقبائل هنا بتعني أجهزة وأشخاص متفرقين جوه "دوامة بيروقراطية الدولة", خلاص الموضوع انتهى ومش هيطلعوا بإمضاء أو برغبة الأمن الوطني زي أيام قرارات الاعتقال الإداري, لإنهم اتحشروا جوه دوامة من الأوراق والإجراءات وتحت رحمة عشرات الأشخاص من قطاعات تستمد قوتها وعقيدتها من الفكر الدولتي أو ما يطلق عليه "سيادة الدولة والقانون".

حتى لو تخيلنا إمكانية إخلاء السبيل بقرارات مباشرة من النائب العام – للمحبوسين إحتياطياً على ذمة النيابة- أو عفو رئاسي - للمحكوم عليهم نهائياً- هيقع في النص المحالين للمحاكم لأن سلطة إطلاق سراحهم في يد كل قاضي بينظر قضيتهم, بس مش دي المشكلة, المشكلة مين اللي هيوصل للي فوق دول قوائم الألوفات اللي تحت دي, وإيه الدوافع والظروف والعوامل اللي هتخليهم يخرجوهم كلهم أو جزء منهم حتى, هل فيه نظام عنده الاستعداد إنه بجرة قلم يخرج ألوفات مؤلفة من جوه "مستنقعات هدم البني آدم" مما يسمى بالسجون؟ بغض النظر عن الأبعاد الاجتماعية والسياسية والفكرية العميقة اللي هتنشأ نتيجة لده.

المشكلة كمان في نقاشي مع أحد المحامين صحابي – وأقنعني بمنطقه- إن حتى في حالة تغير النظام وظهور نظام جديد سواء تابع للتيار الإسلامي أو المدني مش هيبقى عنده الإمكانية العملية والمنطقية والواقعية لإخراج كل الناس دي, هيبقى فيه أولويات داخلية وخارجية للنظام الجديد ثم أفضلية لأتباعه المعتقلين بمختلف درجاتهم ثم أمور توافقية وتفاوض مع التيارات الأخرى مع اعتبار عديد من الظروف والحسابات الأخرى, غير حتى الأزمة البيروقراطية المتجذرة, في النهاية ممكن جزء يخرج وقطاع كبير يسقط في المستنقع ويكمل مدته, يعني ممكن حد زي عبد الرحمن الجندي – طالب الجامعة الألمانية المحكوم عليه بالسجن المشدد 15 سنة- فعلاً يفضل 15 سنة جوه حتى لو اتغير الوضع السياسي أو النظام مرة أو مرات.

حلقة مفرغة لا تنتهي من محاضر بأوزان نسبية للمتهمين

مع عدم علمي بالبناء المعلوماتي للأجهزة الأمنية, بس غالباً هي عشوائية بصورة كبيرة ولا يتوفر لديها هيكلة معلوماتية مركزية ومحدثة, فعلاً أعتقد عندهم مشكلة ضخمة مع الأعداد المهولة للحراك, وبرضه مع ظهور فئات جديدة بأعمار صغيرة ملهاش علاقة بأي حاجة – ده ينطبق بشكل نسبي برضه على ملاحقة التنظيمات الجهادية الناشئة- بس شكل إن الصراع وصل لمرحلة قريبة من تحديد نطاق الكتلة الفعّالة حتى لو واسع جداً, حيث أنه مؤخراً حدث انحسار ميداني وإن اللي اتمسك وخرج بقي بيتمسك تاني وتالت إما في مظاهرة أو من بيته, ولو متمسكش هيتسجل كـ"هارب" في محاضر جديدة "التحريات مبقاش عندها عدد كاف من المتهمين في كل دائرة قسم شرطة لأن أغلب القيادات واللي ليهم ملفات خلاص جوه".

الـ 60 ألف شخص – أكثر أو أقل- ما بين مقبوض عليه أو ملاحق قضائياً دول هما اللي يتمركز حواليهم التحرك الأمني والقضائي خلال العام ونصف الماضي؛ طبعاً لا يمثلون حجم الحراك كله وشخصياً مقدرش أحدد نسبة كام من إجمالي الحراك على الأرض لإنه متغير زمنياً وجغرافياً بشكل عشوائي أو ممنهج أحياناً, وهسيبها لتقدير كل واحد.

طب سؤال بسيط, هو ليه فيه ناس بتطلع أساساً من الأول؟ ليه فيه قرارات إخلاء سبيل أو أحكام بالبراءة أصلاً؟ في تقديري ده يرجع لعدة أسباب, أولاً منهجية محاكم كتير - خاصة بالأقاليم- هي أحكام مخففة لعدة أشهر أو بالكتير سنة حبس أو نياباتها بتدي إخلاء سبيل قبل الإحالة, ثانياً بكل بساطة بيطلعوهم عشان يتمسكوا تاني، ثالثاً لإن الدولة بتعاني من أزمة عدم استيعاب أماكن الاحتجاز لكل الأعداد دي, رابعاً بسبب "عشوائية الدولة" بكل مؤسساتها وأجهزتها لعدم وجود سياسة عامة أو إطار عام بتتحرك من خلاله.

ولتوضيح أبعاد نقطة "إنهم بيطلعوهم عشان يتمسكوا تاني", اللي هيلقي نظرة عميقة على "مجمل" التحركات الأمنية والقضائية في مختلف الدوائر والمحافظات على مدار فترات زمنية مختلفة, هيكتشف إن فيه ما يمكن تسميته بـ "وزن نسبي للمتهمين في المحاضر" وفقاً للمحافظة والوقائع الجارية عددها وحجمها وكام شخص مقبوض عليه وإتجاه الرأي العام, الفكرة مش بس إن فيه محاضر جديدة بتتعمل في الأقسام ولازم "تتملي بشوية بني آدمين", الفكرة ببساطة إن دي وظيفة الداخلية ويعتبر كتقييم أدائها وحفظها للأمن وبيان كفاءتها بصورة دورية أمام القيادات العليا والصحافة والرأي العام.

أبسط نموذج من الواقع لفكرة "الوزن النسبي للمتهمين في المحاضر", لما قال "الأخ الأكبر" في أحد تصريحاته للأسوشيتد برس، فيما معناه: "إحنا 90 مليون لو قبضنا على واحد خرج عن السياق من كل ألف هيبقي عندنا 90 ألف والمحبوسين دلوقتي أقل من تلت العدد ده", اعتقد هو ده المنهج اللي ماشية بيه الداخلية ومختلف المؤسسات.

لو عدت فترة محصلش فيها أي تظاهرات, برضه فيه ناس جديدة هتتجاب من بيوتها بمحاضر جديدة أو قديمة, فيه محاضر بتبدأ من 5 أو 10 أشخاص اتمسكوا خلال الواقعة وبتتمدد لـ 100 و 120 متهم في القضية بأوامر ضبط وإحضار لا تنتهي (على سبيل المثال في دمياط). ومثلاً في الفترة الأخيرة، لازم خلال مدة معينة – بشكل منهحي ممكن نقول أسبوع- تظهر قضايا خلايا إرهابية جديدة, سواء ملفقة بصورة كاملة أو جزئية أو حقيقية.

أحمد عاطف
24 يناير 2015

الأحد، 11 يناير 2015

بوست بضين فشخ عن الوقت


إحنا عندنا 24 ساعة, ودول كتير, خصوصاً إنهم بيتكرروا كل يوم بنفس العدد, والأزمة اليومية إزاي هنعديهم بصورة أكثر انسيابية وأقل مللاً وإزعاجاً.

الحل اللي اثبت فعاليته معايا "البيات الشتوي الحيواني": قليل الحركة, قليل الكلام, قليل التفكير, قليل الأكل, كثير النوم, خصوصاً لما يكون مصحوباً بالاستمتاع بـ 96 فيلم -من أنواع وأنماط وأعوام وثقافات ودول مختلفة- في 16 يوم, وقت مستقطع مهم بالنسبالي عشان شوية صفاء ذهني وسلام روحي ومراجعات فكرية.

فكرة "مراقبة عقارب الساعة من أجل تمرير الوقت" مخيفة, ولما تكون "بدون حد زمني" هي أكثر رعباً, لأنه نهايتها "العدم", يمكن يكون ده فعلاً نقطة نهاية الحياة لكل بني آدم أو لمسار التغيير أو للكون عموماً, لكن تاريخياً وجغرافياً ومنطقياً لازم فيه في النص محطات تغيير كتيرة, سلبية أو إيجابية, بطيئة أو سريعة, نسبية أو جذرية.
"العدم" هو منتهى احساس المعتقل مع اختلاف بعض الظروف والعوامل المحيطة مع اللي بره, زي ماهو منتهى أفكار أي مواطن "عائم داخل المنظومة" بدون إرادته أو بإرادته.
مهم إننا -كل فترة- نعمل وقت مستقطع بحد زمني, عشان شوية راحة وهدوء وترتيب أفكار وأهداف واهتمامات وتغيير نمط الحياة, ده للي لسه متواجد في البكابورت اختيارياً أو اضطرارياً ومتأثر بيه حتي لو مكنش بيؤثر عليه.

محمد شريف -أحد معتقلي ذكري الثورة بالدقي وخرج بعد قرابة 5 شهور حبس- كتب رسالة بعد 100 يوم حبس بيتكلم فيها عن تطور انعدام الاحساس بالوقت ومرحلة العدم:::
في أول أيام السجن تفكيرك تقريبا بينحصر في ذكريات القبض عليك ويومين قبلها, والحاجه التانيه أنا هقعد هنا أد إيه ؟؟؟
بعد مرور 20 يوم تقريبا بتحس بإحباط كبير وتراجع في المعنويات و رغبه عارمه في الخروج والإنتقام بكل الطرق الممكنه !!
بعد 45 يوم بتفقد الأمل تدريجيا في الخروج وبتتعب نفسيا جدا من تفكيرك في تعب أهلك وصحابك , ومدي أهمية الحبسه دي , وهل هتغير حاجه فعلا وتخلي الناس العاديه تتكلم ولا لا ؟؟!!
أحب أقولكم إن بعد 60 يوم كل حاجه بتتقابل بلا مبالاه تقريبا .. ومفيش حاجه بتشغل بالك غير اليوم هيعدي إزاي ؟! وهتأكلوا إيه النهارده ؟! ومين خارج زياره من عندك عشان تبعت معاه رسايل ؟!!
بعد 90 يوم بيجيلك راحه نفسيه رهيبه ومش مهم تخرج لأنك بقيت سجين قديم (يعني خبره ) , هيعملوا فيك إيه تاني بعد السجن ؟!! هيعدموك ؟!!

"مراحل التغير السريع أو البطيء للمعتقل بمرور الوقت حتى مع التكيف والإندماج البدني والمعيشي والنفسي مع السجن استيعاباً أو استسلاماً" ناقشت الفكرة دي كتير مع نفسي ومع صحابي, من منظور واقعي مش عن فكرة الشجاعة أو الخوف من السجن أو التضحية. بس فيه شيء واقعي هنا, إن الفرق بين اللي جوه واللي بره: كل واحد جوه مش قدامه إلا وقت مستقطع فقط, وقت مستقطع مستمر من حياته, تمرير الوقت من أجل تمرير المزيد من الوقت, لحين معاد الخروج أو العدم.

انت بره, اعمل إعادة تهيئة لكيانك, ولو جذرياً, لكن متعتقلش نفسك.

أحمد عاطف
11 يناير 2015

مزيد من الفضفضة في وسط هذا الخراء


من وقت تجربتي المحدودة جداً في الحبس -جوه معسكر الجبل الأحمر مع 89 شاب من أجمل الشباب اللي عرفتهم في حياتي- وأنا حسيت بإحساس المعتقلين المجهولين عموماً -كتير مجرب ووصله نفس الإحساس- وإن الكل واحد جوه السجن والظلم عليهم واحد, ولما تفرغت للعمل على قضايا المعتقلين, كنت دايماً بحاول متكلمش عن صحابي المعتقلين أو اللي كتير يعرفهم, لكن أنشر جلسات قضايا وتجديدات معتقلين محدش يعرفهم أو ملهومش صوت بره, حتى لو أحياناً بحس إني كده بقصر مع صحابي المقربين.


ومن ساعة تفرغي واندماجي وسط المحامين الحقوقيين على الأرض وعلاقاتي القوية بكتير منهم خلال أكثر من سنتين, فهمت أكتر وتعمقت في جانب الإجراءات الجنائية وهيكلة الدولة الأمنية والقضائية من الداخل ومعلوماتية الأجهزة ونظام التقاضي, وكمان من اختلاطي في بعض زيارات السجن, فعلاً بدأت استوعب إن أزمة مصر الحقيقة في العدالة الجنائية مش مقتصرة بس على القضايا السياسية, لكنها أزمة هيكلية جذرية على كل المستويات لعدة أسباب منها قصور الوصول للمعلومات وفساد وعشوائية وسائل جمع الأدلة والشهادات والنظام البيروقراطي المكتبي للتحريات والحبس والحيثيات وقاعدة "ما استقر في وجدان القاضي" وثغرات وتضارب القوانين وفتح باب تعيين أفراد الأجهزة الأمنية إدارياً داخل الجهاز القضائي وعدم وجود نظام مفعل لمحاسبة الأجهزة الأمنية والقضائية. حتى المحبوسين جنائياً نسبة كبيرة منهم مظاليم فعلياً, جايز يكون منهم مجرمين فعلاً بس مظلومين في قضيتهم أو مظلومين في قضايا تانية ملهومش علاقة بيها, لأسباب عديدة. المشكلة الحقيقية لمظلومية وقائع "الاشتباه والقبض والاحتجاز والحبس الإحتياطي ثم المحاكمة" هي انعدام المباديء الأساسية وهي: سلامة الإجراءات, والحق في محاكمة عادلة, والمساواة أمام القانون, والحق في الصحة والسلامة الجسدية والمعنوية داخل أماكن الاحتجاز, وتفعيل نظام مستقل لمحاسبة الأجهزة الأمنية والقضائية, وأخيراً استقلال السلطة القضائية.

ورغم كل ده, رغم إني بيعدي عليا مظاليم كتير -ألوفات حصراً أو بشكل مباشر منذ أحداث العباسية الثانية- بس فعلاً بعد حكم قضية "الإتحادية" النهاردة أنا حسيت بطعنة شديدة بالقلب ثم انكسار ثم غضب. قبل كده, حتى مع الأحكام خلال عهد مرسي, كنا عارفين إن لسه فيه إجراءات تانية ومنافذ فرعية لخروج المعتقلين, طبعاً كان فيه أحكام نهائية متناثرة ونادرة جداً زي العباسية أو قضية "معتقلي دار القضاء 6-6-2012" -كان فيها ناهد بيبو برضه- بس قضية "الإتحادية" تحديداً أعرف فيها 13 شخص ما بين علاقة شخصية مباشرة قوية أو غير قوية أو معرفة غير مباشرة.
مش عيب إننا نتألم أكتر للي نعرفه, وده مش معناه إننا موافقين على ظلم باقي البني آدمين, لإننا في الآخر بشر وكتلة من المشاعر والعلاقات الاجتماعية تجمعهم شوية مواقف.

المشكلة في قضية "الإتحادية" هي إنه حكم نهائي -ما قبل النقض- والشباب حقيقي محتاجين معجزة عشان يطلعوا قبل المدة كاملة, فيه ناس غلابا هيقولوا ممكن عفو رئاسي, وفيه أغلب منهم هيقولوا فيه فرصة في إشكال وقف التنفيذ أو النقض, وفيه أغلب وأغلب هيقولوا الأمل في حكم بعدم دستورية مواد بقانون التظاهر, بس للأسف الحقيقة المرة إن فيه حاجة فوق اسمها "الإرادة السياسية", وفيه حاجة أوسخ اسمها "بيروقراطية أجهزة الدولة", أي معتقل بياخد حكم جنايات أو جنح مستأنف حضورياً بيكون خلاص "اتشفط جوه دوامة بيروقراطية الدولة".
طبعاً من حقنا نتمسك بالمحاولة, بس أنا بحب أحاول وأنا واقعي جداً عشان اتجنب الصدمة أو اليأس, وكل شيء ممكن برضه في ظل "عشوائية" الدولة اللي إحنا بنعيش فيها.

الحكم ده جايز يفتح بوابة لكوارث أحكام نهائية مماثلة مستهدفة كتلة "التيار المدني" ومن في صفه, يمكن فيه بالفعل مئات عديدة من "التيار الإسلامي" -اللي فعلاً بيواجه أكبر حملة قمع واعتقال واستنزاف وقتل منذ سنوات عديدة مقدرش أحدد إمتي بالظبط بالأرقام- خلاص اتشفطت جوه "دوامة بيروقراطية الدولة" بأحكام نهائية, أما "التيار المدني" حصله ده في قضايا نادرة جداً بس كلها يمكن استيعاب أبعادها بظروفها الخاصة وارتباطاتها بحسابات سياسية ونهج زمني وجغرافي معين لمنظومة العدالة الجنائية مع واقع "البيروقراطية" و"العشوائية".

فيه حاجة أنا عندي قناعة بيها, إن تضحية المعتقل الأكثر تأثيراً في واقعنا على المدي البعيد, رغم إن تضحيته أقل من الشهيد طبعاً, بس الناس اللي بره ممكن تنسى أو تتناسى شهيد, ممكن تنسى أو تتناسى مصاب, لكن صعب تنسى شخص مظلوم جوه السجن بيتالم وبيضحي بجزء من عمره جوه دلوقتي حالاً عشان اللي بره "حدث مستديم مش لحظي". 

القتل أو التعجيز أو الظلم أو الفساد جايز يكون مصحوب -بالنسبة للي بره- بثورة شديدة ثم خمول أو اكتئاب وممكن يصل لنسيان أو تناسي أو هجرة أو انتحار, لكن السجن بيكون مصحوب بانكسار ثم غضب ومقاومة طويلة.

أحمد عاطف
28 ديسمبر 2014