الثلاثاء، 31 مارس 2015

رؤية من زاوية أخرى وسط كل هذا العبث والجنون



في وسط كل هذا العبث والجنون، أنا شايف إن التغيير قادم لا محالة، مش بصيص أمل ولا نظرة تفاؤلية، لكنها نظرة واقعية عبر نطاق واسع وعلى المدى البعيد، مش هتكلم في تيمات من نوع "توابع الثورة" أو "التحرك الجماهيري عند الوصول للكتلة الحرجة" أو "التغيير السياسي الحتمي نتيجة الضغط والنفس الطويل"، لكن رأيي يتلخص في إن الثقب الأسود للتغيير الفكري والمعنوي اتفتح يوم 25 يناير 2011 واتفشطت خلاله - بشكل متتابع- عدة ملايين من البشر خلاص. الثورة مش موضوع تغيير سياسي على مستوى نظام الحكم، لإن دي خناقة هتطول وجايز تتبدل فيها كراسي الحاكمين كذا مرة، لكن الأساس الفعلي هو تغيير الوعي الجمعي المتغلغل لمجتمع المحكومين بشكل قاعدي. ببساطة، أي شخص لو حكم في وسط أية منظومة دون وعي مجتمعي أو ضغط شعبي عمره ما هيحكم بالعدل والمساواة – حتى لو أنا حكمت بنفسي- لإن الطبيعة البشرية لأي بني آدم تحوي تلات خصال أساسية بشكل نسبي متفاوت؛ الأنانية، التمييز أو التعريص، التسلط أو الفاشية، يرتبط مداها بالوسط والظروف المحيطة والتجارب والخبرات وحجم السلطات والصلاحيات، ومنطقي إن الإنسان ميعرفش إن دي فيه أو ممكن مظهرتش بالحجم الكافي لإن العوامل اللي فاتت مش متوفرة.
.
إحنا كتير، مين إحنا؟ إحنا ما دون 40 سنة، إحنا اللي بنمثل 60% من الشعب، إحنا فينا كتير عايش حياته تنفيض ولا ليه في السياسة والهري ده، وفيه جيل جديد كامل لا مر على الثورة ولا شاف أجوائها ولا يعرف إيه جو المظاهرات. بس إحنا بنشترك في حاجة واحدة، إننا عندنا روح جديدة وفكر جديد، مش النظرية السائدة إن "أي جيل شباب بيبقى عندهم طاقة جديدة ولازم يتم تنفيسها"، لكن الجديد إننا خلقنا وعي جمعي مختلف، إحنا متمردين على الثقافة والمواريث المجتمعية وكل ما هو تقليدي، خارجين عن السيطرة، بنعيد التفكير في المحظورات زي الدين أو العلاقات الجنسية وغيرها، إحنا شكّلنا ثقافة مختلفة ونمط تفكير مختلف، الدلائل كتير جداً وفوق التخيل لو بصينا بنظرة شاملة، على الجانب الفني مثلاً؛ فيه المعارض الفنية وعروض السرد والحكي وفرق المزيكا وفنون الكاريكاتير ووسائل الإبداع الإلكتروني، اللي أغلبها بمجهودات ذاتية وبتخترق الأنماط التقليدية وبتكسر الحواجز، فعلاً بدعم - بشكل مطلق- أي مشروع شبابي مستقل متحرر، أياً كانت طريقة تعبيره أو مجاله.
.
إحنا المتمردين ذاتياً على النماذج التربوية العقيمة، المتمثلة في الخضوع للقمع أو الرعب أو الاستجابة للقهر، اللى كانت جزء لا يتجزأ من تكوين دولة ومجتمع مبارك، إحنا المتمردين على النمط الروتيني في العلاقات الاجتماعية والأسرية، وده مقال رائع لنوارة نجم في الجزئية دي:
.
إحنا عندنا طرق سريعة في الوصول لكم هائل من المعلومات – وإن كنا بنعاني من رماديتها وتناقضاتها- وعندنا وسائل تواصل اجتماعي متشعبة وعميقة في تداول الأفكار والمعلومات والمعرفة والحشد والحملات. آه، إحنا عندنا قوة المعلومات، اللي عمرها ما كانت متوفرة لأي جيل تاني، اللي بيملك المعلومة هو اللي يقدر يأثر على نظام دولة، بل ويقدر يدير حرب من داخل أوضة صغيرة، مثلاً فيلم The Imitation Game 2014. إحنا عندنا مجتمع معلوماتي افتراضي موازي، بضغطة زر نقدر نعمل صفحات فيها مئات الآلاف من المعجبين أياً كان محتواها، لينا صوت قوي حتى لو منزلناش الشارع، مؤثر بشكل نسبي – يقل أو يزيد لعوامل كثيرة- على أصحاب القرار بالدولة، وده من وقائع كتير مؤخراً. حتى الخناقات والهري على الإنترنت، شايف إنه بيخلق حالة من الجدل والحوار المجتمعي وتبادل الخبرات والمعارف بينا، جايز يكون لسه عندنا مشكلة في استعياب بعض والتواصل مع بعض بشكل كامل. بس حتى في عشوائيتنا مكمن قوتنا، النمط الواحد والعقلية الواحدة هم اللي من الممكن توقعهم ومحاربتهم والسيطرة عليهم.
.
المشكلة الحقيقية اللي بتواجه الدولة سواء دلوقتي أو بعد سنوات، إننا كتير فعلاً، كتير مش في الانتماء السياسي أو الحراك الجماهيري أو النضال الطبقي والفئوي، لكن كتير في اللي من الصعب كبح جماح أفكارهم الجديدة وسعيهم للإبداع والتغيير في كل منافذ البلد، وده خارج قدرة الدولة على الاستيعاب. على سبيل المثال، في الشق السياسي، مؤخراً كان واضح إن الملاحقة الأمنية والقضائية للمنتمين لقطاع سياسي وأنصاره أصبحت غير قادرة على استيعاب المزيد من البشر منهم، غير طابع عشوائية ولا مركزية المعلومات، بس حتى نمط الإتهامات والإحالات للمحاكم أصبحت تدور في فلك "كتلة حرجة متشابكة" توصلت إليها الأجهزة الأمنية، غير متمكنة من الامتداد خارج الإطار ده إلا بشكل محدود، بسبب إن الشباب كتير فشخ فعلاً. أه إحنا وصلنا لمرحلة إن الشباب - بكل ما يتمثل في صوره- بقى عدو مباشر لأجهزة الدولة، اللي بتحاول تقضي على أي تجمع شبابي، حتى لو فني أو ثقافي أو ترفيهي، مثلاً زي قهاوي البورصة، وده من الصعب استمراره؛ لأنها لن تتمكن من استيعاب الأعداد المتلاحقة دي، ولأن حجم الضرر والفئات المتأثرة على جميع المستويات ضخم، ولأن الشباب دايماً بيقدر يخترع حلول جديدة هما مش قادرين يستوعبوها أو يجاروها أصلاً.
.
طبعاً فيه تمن باهظ لازم يندفع في مقاومة متاريس الدولة البيروقراطية الضاغطة، إحنا اللي هندفعه، كتير مننا عارف إنه مش هيوصل لكأس العالم 2018 – زمنياً- لأسباب مختلفة؛ لإن بعيداً عن الإطار السياسي، حلقة فرم الدولة لأبنائها واستنزافهم جسدياً ونفسياً وذهنياً ومادياً متواصلة بشكل يومي. إحنا عارفين إن كتير مننا عمره قصير – في الحياة أو على الأسفلت- جايز عشرينات أو تلاتينات أو أربيعنات. ممكن حياة أي بني آدم على العموم من أولها لآخرها مجرد عبث - إزاي تعدي أيام كتيرة ورا بعض حتى حدود الموت- لكن مفيش ناتج غير بعض الأفكار والتراث الغير ملموس، لكننا برضه عارفين إن التأثير اللي كل واحد فينا هيعمله هينطبع على أجيال حالية أو جاية بشكل نسبي جمعي. التأثير ده ممكن يكون في حاجات بسيطة جداً، ممكن تكون عبارة عن مجرد عرض فني فتح آفاق ذهنية أو بوست نقل فكرة جديدة.
.
أنا واثق في جيلنا وبراهن عليه بعد سنين طويلة، من خلال معطيات كتير، جايز دلوقتي الوضع السياسي مليء بالخراء والعبث والجنون، حتى المجال العام والمجتمع نفسه نفوذ الدولة بيتمدد داخله شيئاً فشيئاً، بس إحنا دايماً بنقدر نبتكر ونبدع الجديد، فيه حاجات بسيطة بشوفها يومياً ليها أبعاد كتير قدام، مش فكرة التغيير السياسي أو المؤسسي أو حتى على مستوى متخذي القرار، شايف وعي وثقافة وفكر جديد بيتشكل تدريجياً ببطء من الجذور.
.
باختصار، بعيداً عن كل خراء السياسة والشارع، حاولوا تستمتعوا بحياتكم وطاقتكم وقدراتكم ومواهبكم، دوروا على حتتكم المفضلة واخترعوا فيها، ابتدعوا حلول مبتكرة، شاركوا في صناعة حياة جديدة بكل جوانبها.

أحمد عاطف
23 مارس 2015